أم زكي: ستون عاماً في صناعة القش

2020-03-14 16:33:42

رغد سمحان

 في منزلها الواقع في قرية اللبّن الغربي شمال غرب رام الله تجلس الحاجة فَطيمة نمر أم زكي 78 عاماً، على حصيرةٍ وسط كومة من القش، تنتقي الأعواد الأقوى والأمتن لتصنع منها صواني متعددة الأشكال والأنواع. ولعل أول ما يلفت نظرك في بيتها القروي القديم هو مدى اهتمامها باقتناء القطع التراثية،  فلا يكاد يخلو أي حائط من صواني القش التي صنعتها بيديها منذ أن كانت فتاة لا يتجاوز عمرها أربعة عشر عاماً.

تقول أم زكي وهي تستذكرُ أول صينية قش أنجزتها: "كنت أجلس بجانب والدتي وهي منهمكة في نسج الصواني وآخذ القشة التي تضعها أمي جانباً كونها هشة لا تصلُح لأبدأ بتقليدها بكل خطوة، والنتيجة صينية عشوائية الأبعاد لا تصلح للإستخدام، وهنا أدركت أمي مدى حبي واهتمامي بهذه الحرفة فباشرت بتعليمي إياها".

كانت الأرض قديما مصدر الرزق الأساسي خاصة للفلاحين وعليها الإعتماد الأكبر في أغلب المهن والحرف التقليدية، كحرفة صناعة صواني القش الذي يُأخذ من سنابل القمح بعد حصاده، ثم يوضع في حارة البيادر وهي منطقة مرتفعة في القرية حتى يتم تجفيفه واستعماله لاحقاً.

تحدثنا الحاجة فطمية وهي تمسك بيديها المجعدتين صينية قش أنجزتها للتو عن المراحل التي تمر بها صناعة الصواني فتقول: "أول مرحلة هي عملية التَقشيش أي عملية انتقاء سيقان القمح المناسبة وفصلها عن السنابل، ثم ننقع السيقان بالماء ساعتين، ونلفها بقطعة قماش بيضاء لتحافظ على مرونتها وعدم تكسرها أثناء النسيج".

ولإضفاء الحيوية والتنويع في شكل الصواني تصبغ بعض السيقان بألوان مختلفة كالأحمر والأزرق والأخضر، وتضيف: "كل ما نحتاجه هو القش المنقوع الجاهز والمُخزاق (وهي آلة تستخدم في رص سيقان القمح وترابطها) لتبدأ مرحلة البدوة حيث أضع بين أصابعي ثلاث قشات وأقوم بتجديلها وربطها ثم اضيف عوداً آخراً للحزمة بواسطة المخزاق وأكرر هذه العملية لتبدأ الصينية بالاتساع وتأخذ شكلها الدائري".

"حيّد عن الجيشِ يا غبيشي" على موسيقى هذه الإغنية وغيرها من الأغاني التراثية التي كانت تُبث على المذياع حينها، كانت النسوة يجتمعن تحت العريش أو الدالية يتسابقن لمعرفة من هي الأسرع والأمهر في نسج الصواني، حيث يستغرق إنجاز الصينية الواحدة حوالي أسبوع، وتبين الحاجة فطيمة بأن الأمر يحتاج للدقة والتركيز فَأي خطأ قد يؤدي إلى إتلاف الصينية وخسارة القش، وهي تقضي معظم وقتها في النسيج ما يتطلب منها جهدا عظيما.

وتكادُ تكون الحاجة فطيمة الوحيدة في بلدتها التي تُجيد صناعة القش حيث تقول: "في الماضي كانت جميع النساء يصنعن الصواني، أما بنات اليوم فلا يعرفن عنها شيئا".

لم تُرزق فطيمة بالبنات لتعلمهن الحرفة لكنها حاولت مراراً أن تُعلمها لحفيداتها اللواتي رفضن ذلك بحجة عدم وجود أوقات فراغ طويلة لديهن، أما الآن فهي تطالب المجلس القروي في بلدتها أن يعقد دورة لتعلم الفتيات نسج الصواني كي لا تندثر الحرفة.

لا أتخيل نفسي دونها هكذا اختتمت الحاجة فطيمة الحديث عن هوايتها التي احترفتها منذ الطفولة، ولا تزال أناملها تنسج صواني القش بنفس الحماس والحب حتى وهي تشارف على الثمانين عاما، تقول وهي تحمد الله على نعمة الصحة: "أصبحت صناعة صواني القش جزءاً مني ولن أتوقف عن النسيج حتى أموت.. صحيح أنني لا أبيعها لكن مجرد وجودها على الحائط قبالة عيني يشعرني بالسعادة". 

كانت هذه الصواني تستخدم قديما كأواني يوضع عليها الطعام والخبز، بالإضافة لاستخدامها في مجال الزراعة لجني ثمار العنب والتين والزيتون وغيرها من المحصولات، ومع انتشار الأواني البلاستيكية والزجاجية اقتصر استخدامها على الزينة فقط.

يقول أحمد الخطيب وهو صاحب محل يبيع القطع التراثية: "صناعة القش تتراجع يوميا، عندما افتتحت محلي كنت حريصا على اقتناء وبيع الصواني المصنوعة يدويا فقط، أما الآن فأواجه صعوبة في توفيرها حيث أصبحت هذه الحرفة آيلة للاندثار في ظل تراجع الطلب عليها،  والزبائن أصبحوا يشترونها للزينة أو كهدية يقدمونها لمغترب فقط مع العلم أن سعرها قليل وفي متناول الجميع، حيث يتراوح ما بين الثلاثين إلى الثمانين شيكل حسب الحجم".

ويتوجب على المؤسسات التي تُعنى بالتراث المحافظة على هذه الحرفة التقليدية التي تُعد إرثاً تاريخيا حافظ عليه قلة قليلة من الأجيال وتحديداً النساء الكبيرات في السن، بالإضافة إلى إعادة احيائها من خلال تنظيم المعارض وعقد الدورات التدريبية، فهي تنمي الارتباط المادي بالأرض وذات منظر جميل يجذب النظر.

- الصور من الإنترنت

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...