لماذا لم تتركوا لنا الخزان لندق جدرانه!؟

2019-09-01 08:59:49

علا أبو حليلو /غزة،

الأحد مساءً، يقف صفٌ طويل من السيارات المحملة بحقائب السفر في ميدان التحرير بمصر، استعدادا للانطلاق نحو معبر رفح البري، تقل ركاباً يملأهم الأمل بعودة سريعة أو فلنقل طبيعية، تلحظه في ضحكاتهم وردودهم على هواتفهم التي يمكننا اختصارها بعبارة:  "هينا بدنا نتحرك، إن شاء الله بكرة بنكون في غزة". 

تأخذ كل سيارة رقماً لتعرف دورها في التفتيش على الحواجز.

تصطف السيارات في العراء المظلم، لا إضاءة في شوارع، لا مارين..ولا محال تجارية، في  الطريق كافتيريا قديمة مهترءة  تستغل حاجة المسافرين أكثر من خدمتهم، وجامع قديم مهجور لا تطأه الأقدام كما يبدو.

على الطريق المليء بالذباب المزعج والحرارة المرتفعة، توقفت السيارات بانتظار فتح معدية "الفردان" الذي لا موعد له إلا بحسب تعليمات ومزاج الضابط المصري المناوب.

معدية "الفردان" التي أصبحت حاجزا أمنيا مشددا لعبور المسافرين لقناة السويس باتجاه سيناء، تعتبر أكثر الحواجز إذلالاً للمسافرين في التفتيش والمعاملة، إذ يتم حجزهم لأكثر من ثلاث ليال أحياناً.

يقول أحمد أحمد وهو أحد الركاب28 عاما، الذي يستقل حافلة من 11 راكب : "وقفنا جندي على أحد الحواجز وسألنا في حد منكم معو سجاير، سكت جميع الركاب خافوا يتصادر دخانهم..صرخ الجندي "مالكم مبلمين كدا..قولوا معاكو سجاير؟" فجاوب السائق "اه معاهم"؛ فضحك الجندي وقال: "ماشي عدوا" وبعد خمس دقايق واجهنا حاجز طيار ورجع سألنا جندي تاني: "معاكو سجاير؟" فكان الشباب اطمنوا بسبب تصرف الجندي الأول فجاوبوا بسرعة، اه معانا؛ فرد "يلا كل واحد يعطيني باكيت عالسريع".

خمس ساعات مرت بثقلها منذ بداية التفتيش، فالجندي ينبش الأغراض الصغيرة قبل الكبيرة، ويصادر العطور الأصلية ومستحضرات التجميل والأدوية وكل الأجهزة التي تعمل بالبطارية.

وعلى الرغم من الاعتقاد السائد أن هذه السياسة يقصد بها الفلسطينيين ضمن سلسلة تضييق الخناق لأسباب سياسية، إلا أن جميع المسافرين عبر مصر إلى غزة يُعاملون ذات المعاملة ويواجهون ذات المتاعب، فقد كانت تحمل الحافلة الصغيرة "ميكرو باص" 11 راكبا بقصص وجنسيات مختلفة منهم زوجان من الأردن، وفلسطينيان آخران يحملان الجنسية البلجيكية والكندية، وطالب يدرس في الجزائر، بعضهم يدخل غزة لأول مرة والآخرين منذ سنوات بعيدة جداً لم يزوروها.

وسط الجو المشحون بالتوتر، تكسر الصمت طفلتين مشاغبتين لا يشفع لإحداهما سوى ضحكتها، فتغلق عيناها الصغيرتان وتفتح فاهها بابتسامة عريضة تظهر أسنانها الصغيرة في مشهد يجعل كل من يراها يرغب بتقبيلها عنوة، أذابت ملل المسافرين بعض الوقت.

مسافة ربع ساعة بالسيارة، كانت تفصلهم عن المرور عبر المعدية الثانية، والتي تكررت بها نفس إجراءات التفتيش السابقة دون مراعاة لطفل أو مسن أو حتى مريض.

تضيق الأنفاس ويتفشى القلق شيئاً فشيئاً، خاصة بعد أن صادر أحد الجنود بطارية جهاز ضغط يستخدمها رجل مسن يعاني من مرض ضغط الدم، ورغم محاولات الترجي  رفض إرجاعها وسط ذهول واستغراب الجميع.

ويروي أحمد قصة رجل مسن آخر كان قد أصيب سابقاً كما وصف بجلطتين وكادت الثالثة على وشك مهاجمته حينما صادر الجنود مقتنياته من أضواء "LED"  التي تعمل بالطاقة الشمسية، ويقارب ثمن الواحد منها 100$.

لقد كان يمسك الجندي الحقيبة، فيقلبها على الأرض المتسخة لتقع  كل مقتنياتها ويبدأ بتقليبها وكأنه إجراء عقابي لا تفتيش، ومن ثم ينادي على صاحبها لإعادة الأغراض داخل الحقيبة.

 بدا واضحاً لجميع المسافرين أن كافة هذه الإجراءات لم تكن لسبب أمني، فبعض الحواجز بينها 100 متر فقط، وغالبيتها تصرفات فردية ربما لكسر الملل أثناء الدوام .

نام كل المسافرين ليلة الاثنين أيضاً في العراء، بعد أن أذابت حرارة الشمس أجسادهم ونهشتها الحشرات، ولم تغير معاناتهم ولا معاناة من سبقوهم  سياسة السفر المذلة هذه.

يخبرنا أحمد أن المكوث هنا سيكون  لليلة ثالثة؛ فالطريق يوم الثلاثاء سيكون مفتوحا  لحركة مرور المعتمرين فقط ويمكننا التحرك الأربعاء صباحاً .

برفقة الإنهاك الجسدي والقلق والحرارة التي لا تطاق والجو المكتوم، نامت جميع النساء وأطفالهن الذين لم يتوقفوا عن البكاء والصراخ في مصلى استراحة تقع في منطقة بئر العبد،  وبقي الشباب متراميين على الكراسي وبعضهم داخل السيارات.

مرّ يوم الثلاثاء ثقيلا، وبالتقدم مسافة ساعتين ونصف وصولاً إلى ميدان الكمين الساعة الواحدة والنصف ليلاً.

بلهجة عصبية حذرتنا زوجة أحمد ورفيقتنا في رحلة العذاب من نزول السيارات حتى لا نزعج الجنود النائمين، وبعد نصف ساعة خرج جندي ليعطينا أوامر بالعودة من حيث جئنا لأن المبيت ممنوع  على هذا الحاجز.

ولأن العودة مستحيلة فهي تحتاج ساعتين ونصف، اتفق السائقون على الرجوع مسافة نصف ساعة والمبيت في طريق صحراوي مخيف معتم إلا من ضوء السيارات التي لا تكفي لإنارة هذا المكان الواسع، ولا نوم ولا غطاء لنا سوى السماء.

انتهى هذا الطريق وصولاً إلى الصالة المصرية التي لم تكن نهاية المعاناة، فهي صالة لا تصلح للجلوس خمس دقائق في هذا الزحام والطقس الحارق.

 يبحث كل المسافرين عن طوق النجاة بعد هذه الرحلة الطويلة، ينتظرون بأن تُختم جوازات سفرهم، ويعودون لأحضان أحبتهم علهم ينسون ذلك الكابوس.

- صورة تعبيرية من الإنترنت

اخترنا لكم
عماد ابو الفتوح عندما عرفت أن الرواية القا...
سلمى أمين هل تمنّيت يومًا أن تتحدّث أكثر م...
 هند الجندي ينظر معظم الناس للأذكياء...
لينا العطّار/  اخترنا لكم من اراجيك...
بقلم: تركي المالكي الحياة مليئة بالجمال وا...
اخترنا لكم هدى قضاض- اراجيك  يعد ا...
منوعات
نغم كراجه/غزة يواجه الشباب صعوبة في إيجاد...
رغد السقا/غزة يمر ذوي الإعاقة بظروف نفسية...
سها سكر/غزة "لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أ...
نغم كراجة/غزة "أمي لم تفِ بوعدها، أخب...
إسراء صلاح/غزة هنا غزة المدينة المنكوب...
عرين سنقرط/القدس ربما قطار الفرح في مدينتي...